فصل: وفاة المغيرة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.وفاة المغيرة.

توفي المغيرة وهو عامل على الكوفة سنة خمس بالطاعون وقيل سنة تسع وأربعين وقيل سنة إحدى وخمسين فولى مكانه معاوية زيادا وجمع له المصريين فسار زياد إليها واستخلف على البصرة سمرة بن جندب فلما وصل الكوفة خطبهم فحصبوه على المنبر فلما نزل جلس على كرسي وأحاط أصحابه بأبواب المسجد يأتونه بالناس يستحلفهم على ذلك ومن لم يخلف حبسه فبلغوا ثمانين واتخذ المقصورة من يوم حبس ثم بلغه عن أوفى بن حسين شيء فطلبه فهرب ثم أخذه فقتله وقال له عمارة بن عتبة بن أبي معيط: إن عمر بن الحمق يجتمع إليه شيعة علي فأرسل إليه زياد ونهاه عن الاجتماع عنده وقال لا أبيح أحدا حتى يخرج علي وأكثر سمرة بن حندب اليتامى بالبصرة يقال قتل ثمانية آلاف فأنكر ذلك ذلك عليه زياد.
كان عمرو بن العاص قبل وفاته استعمل عقبة بن عامر بن عبد قيس على إفريقية وهو ابن خالته انتهى إلى لواته ومرانه فأطاعوا ثم كفروا فغزاهم وقتل وسبى ثم افتتح سنة اثنتين وأربعين غذامس وفي السنة التي بعدها ودان وكورا من كور السودان وأثخن في تلك النواحي وكان له فيها جهاد وفتوح ثم ولاه معاوية على إفريقية سنة وخمسين وبعث إليه عشرة آلاف فارس فدخل إفريقية وانضاف إليه مسلمة البربر فكبر جمعه ووضع السيف في أهل البلاد لأنهم كانوا إذا جاءت عساكر المسلمين أسلموا فإذا رجعوا عنهم ارتدوا فرأى أن يتخذ مدينة يعتصم بها العساكر من البربر فاختلط القيروان وبنى بها المسجد الجامع وبنى الناس مساكنهم ومساجدهم وكان دورها ثلاثة آلاف باع وستمائة باع وكملت في خمس سنين وكان يغزو ويبعث السرايا للإغارة والنهب ودخل أكثر البربر في الإسلام واتسعت خطة المسلمين ورسخ الدين ثم ولى معاوية على مصر وأفريقية مسلمة بن مخلد الأنصاري واستعمل على أفريقية مولاه أبا المهاجر فأساء عزل عقبة واستخف به فسير ابن مخلد الأنصاري عقبة إلى معاوية وشكا إليه فاعتذر له ووعده برده إلى عمله ثم ولاه يزيد سنة اثنتين وستين وذكر الواقدي: أن عقبة ولي أفريقية سنة تسع وأربعين فاختلط القيروان ثم عزله يزيد سنة اثنتين وستين بأبي المهاجر.
فحينئذ قبض على عقبة وضيق عليه فكتب إليه يزيد يبعثه إليه وأعاده واليا على أفريقية فحبس أبا المهاجر إلى أن قتلهم جميعا كسلة ملك البرانس من البربر كما نذكر بعد كان المغيرة بن شعبة أيام إمارته على الكوفة كثيرا ما يتعرض لعلي في مجالسه وخطبه ويترحم على عثمان ويدعو له فكان حجر بن عدي إذا سمعه يقول: بلاياكم ثد أضل الله ولعن ثم يقول أنا أشهد أن من تذمون أحق بالفضل ومن تزكون أحق بالذم فبعث له المغيرة يقول: يا حجر اتق غضب السلطان وسطوته فإنها تهلك أمثالك لا يزيده على ذلك ولما كان آخر إمارته المغيرة قال في بعض أيامه مثل ما كان يقول فصاح به حجر ثم قال له: مر لنا بأرزاقنا فقد حبستها منا وأصبحت مولعا بذم المؤمنين وصاح الناس من جوانب المسجد صدق حجر فر لنا بأرزاقنا فالذي أنت فيه لا يجدي علينا نفعا فدخل المغيرة إلى بيته وعذله قومه في جراءة حجر عليه يوهن سلطانه ويسخط عليه معاوية فقال لا أحب أن آتي بقتل أحد من أهل المصر وسيأتي بعدي من يصنع معه مثل ذلك فيقتله ثم توفي المغيرة وولي زياد فلما قدم خطب الناس وترحم على عثمان ولعن قاتليه وقال حجر ما كان يقول فسكت عنه ورجع إلى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث وبلغه أن حجرا يجتمع إليه شيعة علي ويلعنون بلعن معاوية والبراءة منهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص إلى الكوفة حتى دخلها ثم خطب الناس وحجر جالس يسمع فتهدده وقال: لست بشيء إن لم أمنع الكوفة من حجر وأودعه نكالا لمن بعده ثم بعث إليه فامتنع من الإجابة فبعث صاحب الشرطة شداد بن الهيثم الهلالي إليه جماعة فسبهم أصحابه فجمع زياد أهل الكوفة وتهددهم فتبرؤا فقال: ليدع كل رجل منكم عشيرته الذين عند حجر ففعلوا حتى إذا لم يبق معه إلا قومه قال زياد لصاحب الشرطة: انطلق إليه فأت به طوعا أو كرها فلما جاءه يدعوه امتنع من الإجابة فحمل عليهم وأشار إليه أبوا العمرطة الكندي بأن يلحق بكندة فمنعوه هذا وزياد على المنير ينتظر ثم غشيهم أصحاب زياد وضرب عمرو بن الحمق فسقط ودخل في دور الأزد فاختفى وخرج حجر من أبواب كندة فركب ومعه أبو العمرطة إلى دور قومه واجتمع إليه الناس ولم يأته من كندة إلا قليل ثم أرسل زياد وهو على المنبر مذحج وهمذان ليأتوه بحجر فلما علم أنهم قصدوه تسرب من داره إلى النخع ونزل على أخي الأشتر وبلغه أن الشرطة تسأل عنه في النخع فأتى الأزد واختفى عند ربيعة بن ناجد وأعياهم طلبه فدعا حجر محمد بن الأشعث أن يأخذ له أمانا من زياد حتى يبعث به إلى معاوية فجاء محمد ومعه جرير بن عبد الله وحجر بن يزيد وعبد الله بن الحرث أخو الأشتر فاستأمنوا له زيادا فأجابهم ثم أحضروا حجرا فحبسه وطلب أصحابه فخرج عمرو بن الحمق إلى الموصل ومعه زواعة بن شداد فاختفى في جبل هناك ورفع أمرهما إلى عامل الموصل وهو عبد الرحمن بن عثمان الثقفي ابن أخت معاوية ويعرف بابن أم الحكم فسار إليهما وهرب زواعة وقبض على عمرو وكتب إلى معاوية وكتب إلى معاوية بذلك فكتب إليه أنه طعن عثمان سبعا بمشاقص كانت معه فاطعنه كذلك فمات في الأولى والثانية ثم جد زياد في طلب أصحاب حجر وأتى بقبيصة بن ضبعة العبسي بأمان فحبسه وجاء قيس بن عباد الشبلي برجل من قومه من أصحاب حجر فأحضره زياد وسأله عن علي فأثنى عليه فضربه وحبسه وعاش قيس بن عباد حتى قاتل مع ابن الأشعث ثم دخل بيته في الكوفة وسعى به إلى الحجاج فقتله ثم أرسل زياد إلى عبد الله ابن خليفة الطائي من أصحاب حجر فتوارى وجاء الشرط فأخذوه ونادات أخته الفرار بقومه فخلصوه فأخذ زياد عدي بن حاتم وهو في المسجد وقال: إئتني بعبد الله وخبره جهرة فقال: آتيك بابن عمي تقتله؟ والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه فحبسه فنكر ذلك الناس وكلموه وقالوا تفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبير طيء قال: أخرجه على أن يخرج ابن عمه عني فأطلقه وأمر عدي عبد الله أن يلحق بجبل طيء فلم يزل هنالك حتى مات وأتى زياد بكريم بن عفيف الخثعمي من أصحاب حجر وغيره ولما جمع منهم اثني عشر في السجن دعا برؤوس الأرباع يومئذ وهم عمرو بن حريث على ربع أهل المدينة وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان وقيس ابن الوليد على ربع ربيعة وكندة وأبو بردة بن أبي موسى على ربع مذحج وأسد فشهدوا كلهم أن حجرا جمع الجموع وأظهر شتم معاوية ودعا إلى حربه وزعم أن الأمر لا يصلح إلا في الطالبيين ووثب بالمصر وأخرج العامل وأظهر غدر أبي تراب والترحم عليه والبراءة من عدوه وأهل حربه وأن النفر الذين معه وهم رؤس أصحابه على مقدم رأيه ثم استكثر زياد من الشهود فشهد إسحق وموسى إبنا طلحة والمنذر ابن الزبير وعمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمر بن سعد بن أبي وقاص وغيرهم وفي الشهود شريح بن الحرث وشريح بن هانئ ثم استدعى زياد وائل بن حجر الحضرمي وكثير ابن شهاب ودفع إليهما حجر بن عدي وأصحابه وهم الأرقم بن عبد الله الكندي وشريك بن شداد الحضرمي وصيفي بن فضيل الشيباني وقبيصة بن ضبيعة العبسي وكريم ابن عفيف الخثعمي وعاصم بن عوف البجلي وورقاء بن سمي البجلى وكرام بن حبان العتري وعبد الرحمن بن حسان العنزي ومحرز بن شهاب التميمي وعبد الله بن حوية السعدي ثم أتبع هؤلاء الإحدى عشر ومحرز بن شهاب التميمي وعبد الله بن حوية السعدي ثم أتبع هؤلاء الإحدى عشر بعتبة بن الأخنس من سعد بن بكر وسعد بن غوات الهمداني وأمرهما أن يسيرا بهم إلى معاوية ثم لحقها شريح بن هانئ ودفع كتابه إلى معاوية بن وائل ولما انتهوا إلى مرج غدراء قريب دمشق تقدم ابن وائل وكثير إلى معاوية فقرأ كتاب شريح وفيه بلغني أن زيادا كتب شهادتي وأني أشهد على حجر أنه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر حرام الدم والمال فإن شئت فأقبله أو فدعه فقال معاوية: ما أرى هذا إلا أخرج نفسه من شهادتكم وحبس القوم بمرج غدراء حتى لحقهم عتبة بن الأخنس وسعد بن غوات اللذين ألحقها زياد بها وجاء عامر بن الأسود العجيلي إلى معاوية فأخبره بوصولهما فاستوهب يزيد بن أسد البجلي عاصما وورقاء إبني عمه وقد كتب يزيد يزكيهما ويشهد ببراءتهما فأطلقهما معاوية وشفع وائل بن حجر في الأرقم وأبو الأعور السلمي في ابن الأخنس وحبيب بن سلمة في أخويه فتركهم وسأله مالك بن هبيرة السكوني في حجر فرده فغضب وحبس في بيته وبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي والحسين بن عبد الله الكلابي وأبا شريف البدري إلى حجر وأصحابه ليقتلوا منهم من أمرهم بقتله فأتوهم وعرض عليهم البراءة من علي فأبوا وصلوا عامة ليلتهم ثم قدموا من الغد للقتل وتوضأ حجر وصلى وقال: لولا أن يظنوا بي الجزع من الموت لاستكثرت منها اللهم إنا نستعديك على أمشاء أهل الكوفة يشهدون علينا وأهل الشام يقتلوننا ثم مشى إليه هدبة بن فياض بالسيف فارتعد فقالوا: كيف وأنت زعمت أنك لا تجزع من الموت؟ فابرأ من صاحبك وندعك.
فقال: وما لي لا أجزع وأنا بين القبر والكفن والسيف وإن جزعت من الموت لا أقول ما يسخط الرب فقتلوه وقتلوا ستة معه وهم شريك بن شداد وصيفي بن فضيل وقبيصة ومحرز بن شهاب وكرام بن حبان ودفنوهم وصلوا عليهم بعبد الرحمن بن حسان العنزي وجيء بكريم بن الخثعمي إلى معاوية فطلب منه البراءة من علي فسكت واستوهبه سمرة بن عبد الله الخثعمي من معاوية فوهبه له على أن لا يدخل الكوفة فنزل إلى الموصل ثم سأل عبد الرحمن بن حسان عن علي فأثنى خيرا ثم عن عثمان فقال: أول من فتح باب الظلم وأغلق باب الحق فرده إلى زياد ليقتله شر قتلة فدفنه حيا وهو سابع القوم وأما مالك بن هبيرة السكوني فلما لم يشفعه معاوية في حجر جمع قومه وسار ليخلصه وأصحابه فلقي القتلة وسألهم فقالوا مات القوم وسار إلى عدي فتيقتن قتلهم فأرسل في إثر القتلة فلم يدركوهم وأخبروا معاوية فقال: تلك حرارة يجدها في نفسه وكأني بها قد طفئت ثم أرسل إليه بمائة ألف وقال: خفت أن يعيد القوم حربا فيكون على المسلمين أعظم من قتل حجر فطابت نفسه ولما بلغ عائشة خبر حجر وأصحابه أرسلت عبد الرحمن بن الحرث إلى معاوية يشفع فيهم فجاء وقد قتلوا فقال لمعاوية: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: حيث غاب علي مثلك من حلماء قومي وحملني ابن سمية فاحتملت وأسفت عائشة لقتل حجر وكانت تثني عليه وقيل في سياقة الحديث غير ذلك وهو أن زيادا أطال الخطبة في يوم جمعة فتأخرت الصلاة فأنكر حجر ونادى بالصلاة فلم يلتفت إليه وخشي فوت الصلاة فحصبه بكف من الحصباء الصلاة فقام الناس معه فخافهم زياد ونزل فصلى وكتب إلى معاوية وعظم عليه الأمر فكتب إليه أن يبعث به موثقا في الحديد وبعث من يقبض عليه فكان ما مر.
ثم قبض عليه وحمله إلى معاوية فلما رآه معاوية أمر بقتله فصلى ركعتين وأوصى من حضره من قومه لا تفكوا عني قيدا ولا تغسلوا دما فإني لاق معاوية غدا على الجادة وقتل وقالت عائشة لمعاوية: أين حملك عن حجر؟ قال: لم يحضرني رشيد وكان زياد قد ولى الربيع بن زياد الحارثي على خراسان سنة إحدى وخمسين بعد أن هلك حسن بن عمر الغفاري وبعث معه من جند الكوفة والبصرة خمسين ألفا فيهم بريدة بن الحصيب وأبو برزة الأسلمي من الصحابة وغزا بلخ ففتحها صلحا وكانوا انتقضوا بعد صلح الأحمق بن قيس ثم فتح قهستان عنوة واستحلم من كان بناحيتها من الترك ولم يفلت منهم إلا قيزل طرخان وقتله قتيبة ابن مسلم في ولايته فلما بلغ الربيع بن زياد بخراسان قتل حجر سخط لذلك وقال: لا تزال العرب تقتل بعده صبرا ولو نكروا قتله منعوا أنفسهم من ذلك لكنهم أقروا فذلوا ثم دعا بعد صلاة جمعة لأيام من خبره وقال للناس: إني قد مللت الحياة وإني داع فأمنوا ثم رفع يديه وقال: اللهم إن كان لي عندك خبر فاقبضني إليك عاجلا وأمن الناس ثم خرج فما تواترت ثيابه حتى سقط فحمل إلى بيته واستخلف ابنه عبد الله ومات من يومه ثم مات ابنه بعده بشهرين واستخلف خليد ابن عبد الله الحنفي وأقره زياد.